أخر الاخبار

قصور الجنوب الشرقي : موروث ثقافي فريد في وسط متحول

 قصور الجنوب الشرقي : موروث ثقافي فريد في وسط متحول



إن كلمة "قصر" في الجنوب الشرقي تقابلها كلمة "الدوار" أو "الدشر" وغيرها في باقي مناطق المغرب وهي تستعمل للدلالة على السكن القروي في واحات وادي زيز ووادي غريس وكذلك وادي دادس ودرعة كما تستعمل بعض الكلمات الأخرى كمرادف لها كالقصبة وتسمى بالأمازيغية "إغرمان" ومفردها "إغرم" وبالتالي فأول دلالة ترتبط بتوظيف كلمة "القصر" بالواحة تتمثل في كونه عبارة عن وسط يقطنه تجمع سكاني قروي أي أنه عبارة عن مجموعة من المنازل المجمعة في مجال جغرافي يسمى الواحة وفق عدد العائلات الموجودة وقد تختلف القصور بواحات الجنوب الشرقي في شكلها وخصائصها الجزئية حسب متغير المجال الجغرافي تارة وحسب متغير الفئات الاجتماعية التي تقطنه تارة أخرى إلا أنها تظل تشترك في خصائصها العامة 

يستجيب التصميم المعماري للقصر للكثير من الحاجيات التي فرضت نفسها في لحظات تاريخية سابقة لعل أهمها حاجة السكان لحماية أنفسهم من الأخطار التي تهددهم سواء من طرف الإنسان أو من طرف الطبيعة. ومن جهة أخرى فهندسة القصر صممت كاستجابة أيضا لمتطلبات المناخ الحار صيفا والبارد شتاء. ومن جهة ثالثة فهو يستجيب كذلك للحاجيات الإجتماعية لساكنة الواحة. كما أن القصر يمكن الساكنة من تحقيق التبادلات التجارية والقيام بالصناعات التقليدية وكذلك تخصيص أماكن لتربية مواشيهم

ومن الضروري الإشارة إلى مختلف التحولات والمستجدات الراهنة التي أثرت في بنية القصر ووظائفه حيث فقد ولازال يفقد جزءا كبيرا من مميزاته العمرانية . إن القيام بزيارة ميدانية لبعض قصور المنطقة تجعلك تلاحظ عددا كبيرا من المنازل التي أصبحت مهجورة أو يتم استعمالها كأماكن مخصصة لتربية الماشية أو توظيفها لأغراض تخزين المحاصيل الزراعية وأدوات العمل وفي المقابل عمل أصحابها على بناء منازل عصرية خارج القصر وفي أسوء الحالات يتم اكتساح البنايات العصرية لبنية القصر بعد تهديم بعض المنازل خاصة تلك الموجودة في السور الخارجي مما أدى إلى ضياع أجزاء مهمة من بنية القصر ليفقد بذلك الانسجام المعهود خاصة عندما يكون الهدم على حساب الأبراج الخارجية التي تضفي على القصر رونقا وجمالا فريدين ومن أهم التغيرات التي لحقت القصور بهذه المناطق تكمن في تعدد أبواب القصر فلم يعد القصر محصورا في باب واحد في اتصاله بالعالم الخارجي بل كثرت الأبواب وكذلك الأزقة المتصلة مباشرة بخارج القصر (الخراجية بالاصطلاح المحلي) ولهذا السلوك ما يبرره كاختصار طريق الخروج من القصر بالنسبة للمنازل البعيدة عن المدخل الرئيسي، كما أن زوال التوترات والصراعات بالمنطقة شجع الساكنة ليكثروا من أبواب القصر وتجدر الاشارة في سياق حديثنا عن تأثر بنية القصر جراء التحولات التي تعيشها المنطقة أن بعض عمليات الترميم أو إعادة بناء بعض الأبنية المهدمة أو المهددة بالسقوط لم تتم بمعاير تحافظ على هندسة القصر المعمارية التقليدية بل تمت في أحيان كثيرة بمواد وأدوات عصرية لا تنسجم مع شكل القصر مما أفقده الكثير من مميزاته التراثية التي كانت تقدم صورة عامة للفنون المعمارية التقليدية المتوارثة عن الأجيال السابقة.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -